سورة فاطر - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (فاطر)


        


{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (16) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ (17)}
فإن قلت: لم عرف الفقراء؟ قلت: قصد بذلك أن يريهم أنهم لشدة افتقارهم إليه هم جنس الفقراء، وإن كانت الخلائق كلهم مفتقرين إليه من الناس وغيرهم، لأن الفقر مما يتبع الضعف، وكلما كان الفقير أضعف كان أفقر، وقد شهد الله سبحانه على الإنسان بالضعف في قوله: {وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً} [النساء: 28] وقال سبحانه وتعالى: {الله الذى خَلَقَكُمْ مّن ضَعْفٍ} [الروم: 54] ولو نكر لكان المعنى أنتم بعض الفقراء.
فإن قلت: قد قوبل الفقراء بالغنى، فما فائدة الحميد؟ قلت: لما أثبت فقرهم إليه وغناه عنهم- وليس كل غني نافعاً بغناه إلاّ إذا كان الغني جواداً منعماً فإذا جاد وأنعم حمده المنعم عليهم واستحق- بإنعامه عليهم أن يحمدوه الحميد على ألسنه مؤمنيهم {بِعَزِيزٍ} بممتنع، وهذا غضب عليهم لاتخاذهم له أنداداً، وكفرهم بآياته ومعاصيهم، كما قال: {وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} [محمد: 38] وعن ابن عباس رضي الله عنهما: يخلق بعدكم من يعبده لا يشرك به شيئاً.


{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى إِنَّمَا تُنْذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (18)}
الوزر والوقر: أخوان؛ ووزر الشيء إذا حمله. والوازرة: صفة للنفس، والمعنى: أن كل نفس يوم القيامة لا تحمل إلاّ وزرها الذي اقترفته: لا تؤخذ نفس بذنب نفس، كما تأخذ جبابرة الدنيا: الولي بالولي، والجار بالجار.
فإن قلت: هلا قيل: ولا تزر نفس وزر أخرى؟ ولم قيل وازرة؟ قلت: لأن المعنى أن النفوس الوازرات لا ترى منهن واحدة إلاّ حاملة وزرها، لا وزر غيرها.
فإن قلت: كيف توفق بين هذا وبين قوله: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13]؟ قلت: تلك الآية في الضالين المضلين، وأنهم يحملون أثقال إضلال الناس مع أثقال ضلالهم، وذلك كله أوزارهم ما فيها شيء من وزر غيرهم. ألا ترى كيف كذبهم الله تعالى في قولهم: {اتبعوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خطاياكم} [العنكبوت: 12] بقوله تعالى: {وَمَا هُمْ بحاملين مِنْ خطاياهم مّن شَيْء} [العنكبوت: 12].
فإن قلت: ما الفرق بين معنى قوله: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} وبين معنى: {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْء}؟ قلت: الأول في الدلالة على عدل الله تعالى في حكمه، وأنه تعالى لا يؤاخذ نفساً بغير ذنبها، والثاني: في أن لا غياث يومئذ لمن استغاث، حتى أن نفساً قد أثقلتها الأوزار وبهظتها، لو دعت إلى أن يخفف بعض وقرها لم تجب ولم تغث، وإن كان المدعو بعض قرابتها من أب أو ولد أو أخ.
فإن قلت: إلام أسند كان في {وَلَوْ كَانَ ذَا قربى}؟ قلت: إلى المدعو المفهوم من قوله: {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ}.
فإن قلت: فلم ترك ذكر المدعو؟ قلت: ليعمّ، ويشمل كل مدعوّ.
فإن قلت: كيف استقام إضمار العام؟ ولا يصحّ أن يكون العام ذا قربى للمثقلة؟ قلت: هو من العموم الكائن على طريق البدل.
فإن قلت: ما تقول فيمن قرأ: {ولو كان ذو قربى} على كان التامّة، كقوله تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ} [البقرة: 290]؟ قلت: نظم الكلام أحسن ملاءمة للناقصة؛ لأن المعنى على أن المثقلة إن دعت أحداً إلى حملها لا يحمل منه شيء وإن كان مدعوّها ذا قربى، وهو معنى صحيح ملتئم، ولو قلت: ولو وجد ذو قربى، لتفكك وخرج من اتساقه والتئامه، على أنّ هاهنا ما ساغ أن يستتر له ضمير في الفعل بخلاف ما أوردته {بالغيب} حال من الفاعل أو المفعول، أي: يخشون ربهم غائبين عن عذابه أو يخشون عذابه غائباً عنهم. وقيل: بالغيب في السر، وهذه صفة الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه، فكانت عادتهم المستمرّة أن يخشوا الله، وهم الذين أقاموا الصلاة وتركوها مناراً منصوباً وعلماً مرفوعاً، يعني: إنما تقدر على إنذار هؤلاء وتحذيرهم من قومك، وعلى تحصيل منفعة الإنذار فيهم دون متمرّديهم وأهل عنادهم {وَمَن تزكى} ومن تطهر بفعل الطاعات وترك المعاصي. وقرئ: {من أزكى فإنما يزكي}، وهو اعتراض مؤكد لخشيتهم وإقامتهم الصلاة، لأنهما من جملة التزكي {وإلى الله المصير} وعد للمتزكين بالثواب.
فإن قلت: كيف اتصل قوله: {إِنَّمَا تُنذِرُ} بما قبله؟ قلت: لما غضب عليهم في قوله: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} أتبعه الإنذار بيوم القيامة وذكر أهوالها، ثم قال: إنما تنذر كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعهم ذلك، فلم ينفع، فنزل: {إِنَّمَا تُنذِرُ} أو أخبره الله تعالى بعلمه فيهم.


{وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ (22) إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ (23)}
{الأعمى والبصير} مثل للكافر والمؤمن، كما ضرب البحرين مثلاً لهما أو للصنم والله عزّ وجلّ، والظلمات والنور والظل والحرور: مثلان للحق والباطل، وما يؤدّيان إليه من الثواب والعقاب. والأحياء والأموات: مثل للذين دخلوا في الإسلام والذين لم يدخلوا فيه، وأصروا على الكفر والحرور: السموم؛ إلاّ أنّ السموم يكون بالنهار، والحرور بالليل والنهار. وقيل: بالليل خاصة.
فإن قلت: لا المقرونة بواو العطف ما هي؟ قلت: إذا وقعت الواو في النفي قرنت بها لتأكيد معنى النفي.
فإن قلت: هل من فرق بين هذه الواوات؟ قلت: بعضها ضمت شفعاً إلى شفع، وبعضها وتراً إلى وتر {إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَاء} يعني أنه قد علم من يدخل في الإسلام ممن لا يدخل فيه، فيهدي الذي قد علم أنّ الهداية تنفع فيه، ويخذل من علم أنها لا تنفع فيه. وأمّا أنت فخفي عليك أمرهم، فلذلك تحرص وتتهالك على إسلام قوم من المخذولين. ومثلك في ذلك مثل من لا يريد أن يسمع المقبورين وينذر، وذلك ما لا سبيل إليه، ثم قال: {إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ} أي ما عليك إلاّ أن تبلغ وتنذر، فإن كان المنذر ممن يسمع الإنذار نفع، وإن كان من المصرين فلا عليك. ويحتمل أنّ الله يسمع من يشاء وأنه قادر على أن يهدي المطبوع على قلوبهم على وجه القسر والإلجاء، وغيرهم على وجه الهداية والتوفيق، وأما أنت فلا حيلة لك في المطبوع على قلوبهم الذين هم بمنزلة الموتى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7